كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقوله: {بِغَيْرِ الحَقِّ} زيادة تشنيع لاستكبارهم، فإن الاستكبار لا يكون بحق إذ لا مبرر للكبر بوجه من الوجوه لأن جميع الأمور المغريات بالكبر من العلم والمال والسلطان والقوة وغير ذلك لا تُبلغ الإِنسان مبلغ الخلوّ عن النقص وليس للضعيف الناقص حق في الكبر ولذلك كان الكبر من خصائص الله تعالى.
وهم قد اغترُّوا بقوة أجسامهم وعزة أمتهم وادعوا أنهم لا يغلبهم أحد، وهو معنى قولهم: {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَةً} فقولهم ذلك هو سبب استكبارهم لأنه أورثهم الاستخفاف بمن عداهم، فلما جاءهم هود بإنكار ما هم عليه من الشرك والطغيان عظم عليهم ذلك لأنهم اعتادوا العجب بأنفسهم وأحوالهم فكذبوا رسولهم.
فلما كان اغترارهم بقوتهم هو باعثَهم على الكفر وكان قولهم: {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَةً} دليلًا عليه خصّ بالذكر.
وإنما عطف بالواو مع أنه كالبيان لقوله: {فَاسْتَكْبَرُوا في الأرْضضِ بِغَيْرِ الحَقِّ} إشارة إلى استقلاله بكونه مُوجب الإِنكار عليهم، لأن قولهم ذلك هو بمفرده منكر من القول فذُكر بالعطف على فعل استكبروا لأن شأن العطف أن يقتضي المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه، ويعلم أنه باعثهم على الاستكبار بالسياق.
وجملة {أوَلَم يَرَوا أنَّ الله الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أشَدُّ مِنْهُم قُوَّةً} جملة معترضة، والواو اعتراضية. والرؤية علمية، والاستفهام إنكاري، والمعنى: إنكار عدم علمهم بأن الله أشد منهم قوة حيث أعرضوا عن رسالة رسول ربهم وعن إنذاره إياهم إعراضَ من لا يكترث بعظمة الله تعالى لأنهم لو حسبوا لذلك حسابه لتوقعوا عذابَه فَلأَقْبلوا على النظر في دلائل صدق رسولهم.
وإجراءُ وصف {الَّذِي خَلَقَهُمْ} على اسم الجلالة لما في الصلة من الإِيماء إلى وجه الإِنكار عليهم لجهلهم بأن الله أقوى منهم فإن كونهم مخلوقين معلوم لهم بالضرورة، فكان العلم به كافيًا في الدلالة على أنه أشدّ منهم قوة، وأنه حقيق بأن يحسبوا لغضبه حسابه فينظروا في أدلة صدق رسوله إليهم.
وضمير {هُوَ أشَدُّ مِنْهُم} ضمير فصل، وهو مفيد تقوية الحكم بمعنى وضوحه، وإذا كان ذلك الحكم محققًا كان عدم علمهم بمقتضاه أشنع وعذرهم في جهله منتفيًا.
والقوة حقيقتها: حالة في الجسم يتأتّى بها أن يعمل الأعمال الشاقة، وتطلق على لازم ذلك من القدرة ووسائل الأعمال، وقد تقدم بيان إطلاقها في قوله تعالى: {فخذها بقوة} في سورة الأعراف (145)، والمراد بها هنا معناها الحقيقي والكنائي والمجازي، فهو مستعمل في حقيقته تصريحًا وكنايةً، ومجازِه لما عندهم من وسائل تذليل صعَاب الأمور لقوة أجسامهم وقوة عقولهم.
والعرب تضرب المثل بِعَادٍ في أصالة آرائهم فيقولون: أحلام عاد، قال النابغة:
أَحلامُ عادٍ وأجسامٌ مطهرة ** من المَعَقَّةِ والآفاتتِ والإِثَمِ

ويقولون في وصف الأشياء التي يقل صنع أمثالها: عاديَّة يقولون: بئر عاديَّة، وبناءٌ عَاديّ.
ولما كانت القوّة تستلزم سعة القدرة أسند القوة إلى الله تعالى بمعنى أن قدرته تعالى لا يستعصي عليها شيء تتعلق به إرادته تعالى، وهذا المراد هنا في قوله: {أَنَّ الله الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أشَدُّ مِنهم قُوَّةً} أي هو أوسع قدرة من قدرتهم فإطلاق القوة على قدرة الله تعالى بمعنى كماللِ القدرة، أي عموم تأثيرها وتعلقها بالممكنات على وفق الإِرادة لا يستعصي على تعلق قدرته شيء ممكنٌ، وكماللِ غِناه عن التأثّر للغير، وتقدم عند قوله تعالى: {إن اللَّه قوي شديد العقاب} في سورة الأنفال (52).
وجملة {أَوَلَمْ يَرَوا أَنَّ الله الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أشَدُّ مِنهم قُوَّةً} معترضة بين الجمل المتعاطفة، والواو فيها اعتراضية.
وقوله: {وَكَانُوا بئآياتنا يَجْحَدُون} يحتمل أن المراد بالآيات معجزات رسولهم هود فلم يؤمنوا بها وأصروا على العناد ولم يذكر القرآن لهود آيات سوى أنه أنذرهم عذابًا يأتيهم من السماء، قال تعالى: {فلما رأوه عارضًا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم} [الأحقاف: 24] فذلك من تكذيبهم بأوائل الآيات.
ويحتمل أن المراد بالآيات دلائل الوحدانية التي في دعوة رسولهم وتذكيرُهم بنعم الله عليهم كقوله: {واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة} [الأعراف: 69]، وقوله: {واتقوا الذي أمدّكم بما تعلمون أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون} [الشعراء: 132، 134].
ودل فعل {كانوا} على أن التكذيب بالآيات متأصل فيهم.
ودلت صيغة المضارع في قوله: {يَجْحَدُونَ} أن الجحد متكرر فيهم متجدد.
ورتب على ذلك وصف عقابهم بأن الله أرسل عليهم ريحًا فأشارت الفاء إلى أن عقابهم كان مسببًا على حالة كفرهم بصفتها فإن باعث كفرهم كان اغترارهم بقوتهم، فأهلكهم الله بما لا يترقب الناس الهلاك به فإن الناس يقولون للشيء الذي لا يُؤبه به: هو ريح، ليريهم أن الله شديد القوة وأنه يضع القوة في الشيء الهيّن مثل الريح ليكون عذابًا وخزيًا، أي تحقيرًا كما قال: {لنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ في الحياة الدُّنْيَا}، وأي خزي أشد من أن تتراماهم الريح في الجوّ كالريش، وأن تلقِيَهم هلكَى على التراب عن بكرة أبيهم فيشاهدهم المارّون بديارهم جثثًا صرعى قد تقلصت جلودهم وبليت أجسامهم كأنهم أعجاز نخل خاوية.
والريح: تموُّج في الهواء يحدث من تعاكس الحرارة والبرودة، وتنتقل موجاته كما تنتقل أمواج البحر والريح الذي أصاب عادًا هو الريح الدَّبور، وهو الذي يهبّ من جهة مغرب الشمس، سميت دبورًا بفتح الدال وتخفيف الباء لأنها تهبّ من جهة دُبر الكعبة قال النبي صلى الله عليه وسلم: «نُصِرتُ بالصبا وأهلكتْ عاد بالدبور» وإنما كانت الريح التي أصابت عادًا بهذه القوة بسبب قوة انضغاط في الهواء غير معتاد فإن الانضغاط يصير الشيء الضعيف قويًا، كما شوهد في عصرنا أن الأجسام الدقيقة من أجزاء كيمياوية تسمى الذَّرة تصير بالانضغاط قادرة على نسف مدينة كاملة، وتسمى الطاقة الذَّرية، وقد نُسف بها جزء عظيم من بلاد اليابان في الحرب العامة.
والصرصر: الريح العاصفة التي يكون لها صرصرة، أي دويّ في هبوبها من شدة سرعة تنقلها.
وتضعيف عينه للمبالغة في شدتها بين أفراد نوعها كتضعيف كبكب للمبالغة في كَبّ.
وأصله صَرَّ، أي صاح، وهو وصف لا يؤنث لفظه لأنه لا يجري إلا على الريح وهي مقدرة التأنيث.
والنحسات بفتح النون وسكون الحاء: جمع نَحس بدون تأنيث لأنه مصدر أو اسم مصدر لفعل نَحِس كَعَلِم، كقوله تعالى: {في يوم نحس مستمر} [القمر: 19].
وقرأه نافع وابن كثير وأبو عمرو ويعقوب بسكون الحاء.
ويجوز كسر الحاء وبه قرأ البقية على أنه صفة مشبهة من {نَحِس} إذا أصابه النحْس إصابة سوء أو ضر شديد.
وضده البخت في أوهام العامة، ولا حقيقة للنحس ولا للبخت ولكنهما عارضان للإنسان، فالنحس يَعرض له من سوء خِلقه مزاجه أو من تفريطه أو من فساد بيئته أو قومِه، والبخت يعرض من جراء عكس ذلك.
وبعض النوعين أمور اتفاقية وربما كان بعضها جزاءً من الله على عمل خيرٍ أو شر من عباده أو في دينه كما حل بعاد وأهل الجاهلية.
وعامة الأمم يتوهمون النحس والبخت من نوع الطِّيرَة ومن التشاؤم والتيمّن، ومنه الزجر والعيافة عند العرب في الجاهلية ومنه تَطَلُّع الحدثَان من طوالع الكواكب والأياممِ عند معظم الأمم الجاهلة أو المختلَّة العقيدة.
وكل ذلك أبطله الإسلام، أي كشف بطلانه، بما لم يسبقه تعليم من الأديان التي ظهرت قبل الإِسلام.
فمعنى وصف الأيام بالنحسات: أنها أيام سوء شديد أصابهم وهو عذاب الريح، وهي ثمانية أيام كما جاء في قوله تعالى: {سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسومًا} [الحاقة: 7]، فالمراد: أن تلك الأيام بخصوصها كانت نحسًا وأن نَحْسها عليهم دون غيرهم من أهل الأرض لأن عادًا هم المقصودون بالعذاب.
وليس المراد أن تلك الأيام من كل عام هي أيام نحس على البشر لأن ذلك لا يستقيم لاقتضائه أن تكون جميع الأمم حلّ بها سوء في تلك الأيام.
ووُصفت تلك الأيام بأنها {نَّحِسَاتٍ} لأنها لم يحدث فيها إلا السوء لهم من إصابة آلام الهَشْم المحقققِ إفضاؤه إلى الموت، ومشاهدة الأموات من ذويهم، وموت أنعامهم، واقتلاع نخيلهم.
وقد اخترع أهل القصص تسمية أيام ثمانية نصفُها آخر شهر شُباط ونصفها شهر آذار تكثر فيها الرياح غالبًا دَعَوها أيام الحسوم ثم ركبوا على ذلك أنها الموصوفة بحسوم في قوله تعالى في سورة الحاقة (7) {سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسومًا} فزعموا أنها الأيام الموافقة لأيام الريح التي أصابت عادًا، ثم ركَّبوا على ذلك أنها أيام نحس من كل عام وكَذَبوا على بعض السلف مثل ابن عباس أكاذيب في ذلك وذلك ضغْث على إبالة، وتفنن في أوهام الضلالة.
وجُمع {نّحِسَاتٍ} بالألف والتاء لأنه صفة لجمععِ غير العاقل وهو {أَيَّامٍ}.
واللام في {لنُذِيقَهُم} للتعليل وهي متعلقة ب {أرسلنا}.
والإِذاقة تخييل لمكنية، شُبه العذاب بطعام هُيِّىء لهم على وجه التهكم كما سمَّى عمرو بن كلثوم الغارة قِرَى في قوله:
قرينَاكُمْ فعجَّلْنَا قِراكم ** قُبيل الصُّبح مِردَاةً طَحُونا

والإِذاقة: تخييل من ملائمات الطعام المشبه به.
والخزي: الذلّ.
وإضافة {عَذَابَ} إلى {الخِزْي} من إضافة الموصوف إلى الصفة بدليل مقابلته بقوله: {ولَعَذَابُ الآخِرَةِ أخزى}، أي أشد إخزاء من إخزاء عذاب الدنيا، وذلك باعتبار أن الخزي وصف للعذاب من باب الوصف بالمصدر أو اسم المصدر للمبالغة في كون ذلك العذاب مخزيًا للذي يعذب به.
ومعنى كون العذاب مخزيًا: أنه سببُ خزي فوصْفُ العذاب بأنه خزي بمعنى مُخز من باب المجازِ العقلي، ويُقدر قبل الإضافة: لنذيقهم عذابًا خزيًا، أي مُخْزيًا، فلما أريدت إضافة الموصوف إلى صفته قيل: {عذابَ الخزي}، للمبالغة أيضًا لأن إضافة الموصوف إلى الصفة مبالغة في الاتصاف حتى جعلت الصفة بمنزلة شخص آخر يضاف إليه الموصوف وهو قريب من محسِّن التجريد فحصلت مبالغتان في قوله: {عَذَابَ الخِزْي} مبالغةُ الوصف بالمصدر، ومبالغة إضافة الموصوف إلى الصفة.
وجملة {ولَعَذَابُ الآخِرَةِ أخزى} احتراس لئلا يحسِب السامعون أن حظ أولئك من العقاب هو عذاب الإِهلاك بالريح فعطف عليه الإِخبار بأن عذاب الآخرة أخزَى، أي لهم ولكل من عذّب عذابًا في الدنيا لغضب الله عليه.
وأخْزى: اسم تفضيل جرى على غير قياس، وقياسه أن يقال: أشد إخزاء، لأنه لا يقال: خَزاه، بمعنى أخزاه، أي أهانه، ومثل هذا في صوغ اسم التفضيل كثير في الاستعمال.
وجملة {وَهُمْ لاَ يُنْصَرُونَ} تذييل، أي لا ينصرهم من يدفع العذاب عنهم، ولا من يشفع لهم، ولا من يخرجهم منه بعد مهلة.
{وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (17)} بقية التفصيل الذي في قوله: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا} [فصلت: 15].
ولما كان حال الأمتين واحدًا في عدم قبول الإرشاد من جانب الله تعالى كما أشار إليه قوله تعالى: {لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لأَنْزَلَ مَلائِكَةً} [فصلت: 14] كان الإِخبار عن ثمود بأن الله هَداهم مقتضيًا أنه هدَى عادًا مثل ما هدى ثمود وأن عادًا استحبوا العَمى على الهدى مثل ما استحبت ثمود.
والمعنى: وأما ثمودُ فهديناهم هداية إرشاد برسولنا إليهم وتأييده بآية الناقة التي أخرجها لهم من الأرض.
فالمراد بالهداية هنا: الإرشاد التكليفي، وهي غير ما في قوله: {ومن يهد اللَّه فما له من مضل} [الزمر: 37] فإن تلك الهداية التكوينية لمقابلته بقوله: {وَمَن يُضْلِللِ الله فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [غافر: 33].
واستحبوا العمى معناه: أحبّوا، فالسين والتاء للمبالغة مثلهما في قوله: {فاستكْبُروا في الأرضضِ بغيرِ الحَقِّ} [فصلت: 15]، أي كان العمى محبوبًا لهم.
والعمى: هنا مستعار للضلال في الرأي، أي اختاروا الضلال بكسبهم.
وضُمن استحبوا معنى: فَضَّلوا، وَهَيَّأ لهذا التضمين اقترانُه بالسين والتاء للمبالغة لأن المبالغة في المحبة تستلزم التفضيل على بقية المحبوبات فلذلك عدّي استحبوا بحرف {على}، أي رجحوا باختيارهم.
وتعليق {عَلَى الهدى} بفعل استحبوا لتضمينه معنى: فضّلوا وآثروا.
وفُرع عليه {فَأَخَذَتْهُم صاعقة العَذَاببِ الهُونِ}، وكان العقاب مناسبًا للجُرم لأنهم استحبوا الضلال الذي هو مثل العمى، فمن يستحبه فشأنه أن يحب العمى، فكان جزاؤهم بالصاعقة لأنها تُعمِي أبصارهم في حين تهلكهم قال تعالى: {يكاد البرق يخطف أبصارهم} [البقرة: 20].
والأخذ: مستعار للإصابة المهلكة لأنها اتصال بالمُهلَك يُزيله من الحياة فكأنه أخذ باليد.
والصاعقة: الصيْحة التي تنشأ في كهربائية السحاب الحامل للماء فتنقدح منها نار تهلك ما تصيبه.
وإضافة {صاعقة} إلى {العَذَابِ} للدلالة على أنها صاعقة تُعَرّف بطريق الإضافة إذ لا يُعرِّفَ بها إلا ما تضاف إليه، أي صاعقة خارقة لمعتاد الصواعق، فهي صاعقة مسخرة من الله لعذاب ثمود، فإن أصل معنى الإضافة أنها بتقدير لام الاختصاص فتعريف المضاف لا طريق له إلا بيان اختصاصه بالمضاف إليه.
و{العذاب} هو: الإِهلاك بالصعق، ووصف ب {الهُونِ} كما وصف العذاب بالخزي في قوله: {لنُذيقَهُم عَذَابَ الْخِزي} [فصلت: 16]، أي العذاب الذي هو سبب الهُون.
و{الهُون}: الهوان وهو الذل، ووجه كونه هَوانًا أنه إهلاك فيه مذلة إذ استُؤْصلوا عن بكرة أبيهم وتُركوا صرعى على وجه الأرض كما بيناه في مهلك عاد.
أي أخذتهم الصاعقة بسبب كسبهم في اختيارهم البقاء على الضلال بإعراضهم عن دعوة رسولهم وعن دلالة آياته.
ويعلم من قوله في شأن عاد {وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى} [فصلت: 16] أن لثمود عذابًا في الآخرة لأن الأمتين تماثلتا في الكفر فلم يذكر ذلك هنا اكتفاء بذكره فيما تقدم.
وهذا مُحسِّن الاكتفاء، وهو محسِّن يرجع إلى الإيجاز.
{وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (18)} الأظهر أنه عطف على التفصيل في قوله: {فأمَّا عَاد فاستكبروا} [فصلت: 15] وما عطف عليه من قوله: {وأَمَّا ثَمُودُ فهديناهم} [فصلت: 17] لأن موقع هاته الجملة المتضمنة إنجاءَ المؤمنين من العذاب بعد أن ذُكر عذاب عاد وعذاب ثمود يشير إلى أن المعنى إنجاء الذين آمنوا من قوم عاد وقوم ثَمود، فمضمون هذه الجملة فيه معنى استثناء من عموم أمتيْ عاد وثمود فيكون لها حكم الاستثناء الوارد بعد جُمل متعاقبة أنه يعود إلى جميعها فإن جملتي التفصيل هما المقصود، قال تعالى: {ولما جاء أمرنا نجينا هودًا والذين آمنوا معه برحمة منا} [هود: 58] وقال: {ولما جاء أمرنا نجينا صالحًا والذين آمنوا معه برحمة منا} [هود: 66].
وقد بينا في سورة هود كيف أنجى الله هودًا والذين آمنوا معه، وصالحا والذين آمنوا معه.
وقوله: {وكَانُوا يَتَّقُونَ}، أي كان سنتهم اتقاء الله والنظرُ فيما ينجي من غضبه وعقابه، وهو أبلغ في الوصف من أن يقال: والمتقين. اهـ.